ويبدو أن العطف الأول ارجح، إذ إن الله تعالى قد يتفضل على من يشاء بأكثر مما يطلب ويتمناه، فيكون العطف على ذلك داخلا في حيّز تفصيل استجابة الباري سبحانه لدعاء أيوب عليه السلام وإن لم يدع به.
ثم علّل السياق تلك الاستجابة وذلك التفصيل لها بقوله: {رَحْمَةً} فهو مفعول لأجله، ثم وصفه (¬1) بقوله {مِنْ عِنْدِنَا}، ((تنويهًا بشأنها بذكر العندية الدالة على القرب المراد به التفضيل ... والذكرى: التذكير بما هو مظنة أن يّنسَى أو يُغفَل عنه. وهو معطوف على {رَحْمَةً} وهو مفعول لأجله، أي وتنبيهًا للعابدين بأن الله لا يترك عنايته بهم. وبما في {العابدين} من العموم صارت الجملة تذييلا)) (¬2).
ونحو هذا من الاستجابة السريعة المعللة قوله تعالى حكاية في دعاء يوسف: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنْ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬3).
إذ استجاب له ربه استجابة سريعة. وهي استجابة من جنس ما دعا به وهو (الصرف) الذي يعني (ردّ الشيء من حالة إلى حالة، أو إبداله بغيره) (¬4). وأما الكيد فهو ((ضرب من الاحتيال. وقد يكون مذمومًا وممدوحًا، وان كان استعماله في المذموم أكثر)) (¬5).
ثم علل الاستجابة بقوله: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، المصدّر بـ (إنّ). وقد أكده بضمير الفصل (هو)؛ بيانًا لكونه هو المتفرد سبحانه بكلتا الصفتين: السمع من الداعي وإن كتم دعاءه، والعلم بكل شئ: ما كان وهو كائن وما سيكون.
ومن هذا الوادي أيضًا ما ورد جوابًا لدعاء عبّر عنه بالاستغاثة، التي تعني طلب المعونة والنصرة (¬6)، فقال عظم شأنه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (¬7).
فقد أجاب سبحانه إجابة سريعة وردت مصدرة بالفاء التعقيبية، وبغير إسناد إلى (نا) الدال على تعظيمه تعالى. إذ قال: {فَاسْتَجَابَ}، بالخطاب المباشر لهم في قوله (لكم).
¬__________
(¬1) تفسير الجلالين / 429.
(¬2) التحرير والتنوير 17/ 128.
(¬3) سورة يوسف / 33 – 34.
(¬4) المفردات في غريب القرآن / 412 (صرف).
(¬5) نفسه / 666 (كيد).
(¬6) نفسه / 550 (غوث)، ومجمع البيان 4/ 525.
(¬7) سورة الأنفال / 9.