ثم علّل السياق تلك الاستجابة وذلك التفصيل لها بقوله: {رَحْمَةً} فهو مفعول لأجله، ثم وصفه (¬1) بقوله {مِنْ عِنْدِنَا}، ((تنويهًا بشأنها بذكر العندية الدالة على القرب المراد به التفضيل ... والذكرى: التذكير بما هو مظنة أن يّنسَى أو يُغفَل عنه. وهو معطوف على {رَحْمَةً} وهو مفعول لأجله، أي وتنبيهًا للعابدين بأن الله لا يترك عنايته بهم. وبما في {العابدين} من العموم صارت الجملة تذييلا)) (¬2).
ونحو هذا من الاستجابة السريعة المعللة قوله تعالى حكاية في دعاء يوسف: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنْ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬3).
إذ استجاب له ربه استجابة سريعة. وهي استجابة من جنس ما دعا به وهو (الصرف) الذي يعني (ردّ الشيء من حالة إلى حالة، أو إبداله بغيره) (¬4). وأما الكيد فهو ((ضرب من الاحتيال. وقد يكون مذمومًا وممدوحًا، وان كان استعماله في المذموم أكثر)) (¬5).
ثم علل الاستجابة بقوله: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، المصدّر بـ (إنّ). وقد أكده بضمير الفصل (هو)؛ بيانًا لكونه هو المتفرد سبحانه بكلتا الصفتين: السمع من الداعي وإن كتم دعاءه، والعلم بكل شئ: ما كان وهو كائن وما سيكون.
ومن هذا الوادي أيضًا ما ورد جوابًا لدعاء عبّر عنه بالاستغاثة، التي تعني طلب المعونة والنصرة (¬6)، فقال عظم شأنه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (¬7).
فقد أجاب سبحانه إجابة سريعة وردت مصدرة بالفاء التعقيبية، وبغير إسناد إلى (نا) الدال على تعظيمه تعالى. إذ قال: {فَاسْتَجَابَ}، بالخطاب المباشر لهم في قوله (لكم).
¬__________
(¬1) تفسير الجلالين / 429.
(¬2) التحرير والتنوير 17/ 128.
(¬3) سورة يوسف / 33 – 34.
(¬4) المفردات في غريب القرآن / 412 (صرف).
(¬5) نفسه / 666 (كيد).
(¬6) نفسه / 550 (غوث)، ومجمع البيان 4/ 525.
(¬7) سورة الأنفال / 9.