ويلحظ أن السؤال الثاني جاء بقوله {إلى الحَقِِ} وجاء الجواب بقوله {يَهْدِي للحَقِ}، ولا فرق بينهما، إذ ((يقال هداه للحق وإلى الحق فجمع بين اللغتين)) (¬1). والحق يعني طريق الرشاد وما فيه من الصلاح والخير والنجاة (¬2).
وأما ما ورد من غير إعادة لجملة السؤال فكقوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَلِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (¬3). فقد توالت السؤالات التهكمية (¬4) ولا جواب من الكافرين بل الجواب من عند الله سبحانه، فقد لُقن به رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ إشعارًا بأنه متعيّن للجوابية، أو يكون التلقين للجواب بيانًا لما هم عليه من مخالفتهم لما علموه (¬5).
وقد ورد الجواب بعبارة واحدة هي: {قلِ اللَّهُ}، مع فارق أنها أوجزت في الأولى مقتصرة على بيان أنه الله سبحانه، على حين صحبها بيان أنه سبحانه خالق لكل شيء مُدرَك بالحواس أو غير مدرك، وأنه تعالى واحد في ملكوته قهّار لكل من عصاه أو أشرك به.
ويلحظ أن التلقين الثالث {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (¬6) دخل على استفهام إنكاري توبيخي وقد وصف (الأولياء) بجملة فعلية هي {لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرّاً} (¬7)، وهذا الوصف ((مما يقوي الإنكار ويؤكده)) (¬8).
ومن هذا الوادي قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} (¬9). فقد أُمِر - صلى الله عليه وسلم - ((بأن يتولى الإجابة والإقرار بقوله يرزقكم الله، وذلك للإشعار بأنهم مقرّون به بقلوبهم إلاّ أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به؛ لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحبّ الشرك، قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق مع علمهم بصحته ... فكانوا يتلعثمون عنادًا وضرارًا، وحذارًا من إلزام الحجة)) (¬10).
¬__________
(¬1) الكشاف 2/ 236.
(¬2) مجمع البيان 5/ 108 - 109.
(¬3) سورة الرعد /16.
(¬4) في ظلال القرآن 4/ 2052.
(¬5) روح المعاني 13/ 127.
(¬6) سورة الرعد /16.
(¬7) سورة الرعد /16.
(¬8) روح المعاني 13/ 128.
(¬9) سورة سبأ /24.
(¬10) الكشاف 3/ 288.