أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} (¬1). فقد دل قوله {فَفَتَحْنَا} وما بعده على وقوع الإجابة وتلبية دعائهِ عليه السلام. وقد صدر التعبير الدال على ذلك بفاء التعقيب الدالة على سرعة وقوع الحدث، وقد ورد بصيغة الماضي المسند إلى ضمير الجمع (نا)، إعظامًا للمجيب سبحانه، وقد ورد على سبيل التمثيل. فقوله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}، ((مركب تمثيلي لهيئة أندفاق الأمطار من الجو بهيئة خروج الجماعات من أبواب الدار)) (¬2). ولا يراد بالتمثيل هنا إلا تفخيم عقاب قوم نوح عليه السلام فالمنهمر اسم فاعل من الانهمار وهو ((صب الدمع والماء)) (¬3)، وأريد به في هذا التعبير أن الماء ((منصب في كثرة وتتابع)) (¬4) وقد قيل إنه ((لم ينقطع أربعين يومًا)) (¬5)، وهو مدة العذاب التي قدرها سبحانه عليهم.
والتفجير مشتق من الفجر، وهو ((شق الشيء شقًا واسعًا)) (¬6). وتدل الفاء مع صوت آخر يليها مضعّف أو صوتين مختلفين، على التشتيت في عدد من الألفاظ، مثل فجَّ، وفتَّ،، وفتّقَ، وفرّقَ ...
ويعني هنا ((إسالة الماء)) (¬7) بغزارة وشدة. وقد أُسنِد التفجير إلى العيون في المعنى وأُوقِع على الأرض في اللفظ، بقصد الشمول (¬8)، والمبالغة (¬9)، إذ ((أفاد أن الأرض قد كانت صارت عيوناً كلها وأن الماء قد كان يفور من كل مكان منها. ولو أُجري اللفظ على ظاهرهِ فقيل: وفجرنا عيون الأرض أو العيون في الأرض لم يفد ذلك ولم يدل عليه ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان فار من عيون متفرقة في الأرض وتبجس من أماكن منها)) (¬10)، لا من جميعها.
ومن ثم لم يكن فيه لو جاء بذلك التعبير ذلك التصوير للهول الذي أصابهم والعقاب الذي دل عليه الإسناد المجازي الوارد في التعبير الجوابي.
¬__________
(¬1) سورة القمر / 10 - 14.
(¬2) التحرير والتنوير 27/ 182.
(¬3) المفردات في غريب القرآن / 795 (همر).
(¬4) الكشاف 4/ 37.وينظر تفسير الجلالين / 705.
(¬5) الكشاف 4/ 37.وينظر تفسير الجلالين / 705.
(¬6) المفردات في غريب القرآن / 561 (فجر).
(¬7) التحرير والتنوير 27/ 183.
(¬8) دلائل الإعجاز / 132، ونهاية الإيجاز في دراية الإعجاز / 132.
(¬9) الكشاف 4/ 37.
(¬10) دلائل الإعجاز / 132 – 133. وينظر الكشاف 4/ 37، والتحرير والتنوير 27/ 183.