هناك عدد من الجوابات تشكل ظواهر تعبيرية في القرآن الكريم فضلاً عما مر من الألوان الجوابية، ومنها:
(1) أن يرد الجواب على سبيل القصة في التعبير القرآني، إذ يتطلب ذلك سردًا وتفصيلا وبيانًا لا يتحقق إلا بالسرد القصصي، بذكر أحداث معينة ذات مساس واضح بصيغة السؤال وماهيته أو بتعبير الخبر. وهو لون متفرد في التعبير القرآني، ويمكن عده ظاهرة أسلوبية. وقد تجلى في مواضع هي:
أ) قصة ذي القرنين، حين سأل المشركون أو اليهود الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن حاله وخبره، على سبيل الامتحان والتعجيز (¬1) فذكر ذلك سبحانه في آخر سورة الكهف، قال تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (¬2). فهو جواب قصة ورد مصدَّرًا بـ (قُلْ) التلقينية، مُردَفة بحدث مستقبل دلت عليه السين في قوله {سأتْلُو} و (الذكر) هنا يعني: الخبر أو القصة (¬3).
ثم بدأ الحديث عن ذي القرنين بـ (إنّ) المؤكّدة المسندة إلى (نا) التعظيمية {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ}، أي منحه الله سبحانه السلطان والهيبة، وهيأ له ما يحتاجه لتعضيد ملكه من علم وحكمة (¬4).
ولا يراد بقوله {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} العموم التام (¬5) بل المراد الكثرة والتمكين. و (السبب): الطريق الموصلة، أو ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة (¬6).
وهكذا يستمر السياق في سرد أحداث قصة ذي القرنين.
ب) قصة أصحاب الكهف، إذ ورد في سبب النزول (¬7) أن الحديث عن الفتية النصارى الذين كانوا في زمان قديم إنما هو جواب لسؤال ألقاه المشركون على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتحريض من اليهود فكان الجواب قصة هؤلاء الفتية منذ بدء إيمانهم إلى حين بعثهم ثم إماتتهم ثانية. فقد قال
¬__________
(¬1) الكشاف 2/ 497، ومجمع البيان 6/ 489، وتأملات في آيات القرآن 1/ 151.
(¬2) سورة الكهف /83 - 84.
(¬3) مجمع البيان 6/ 490.
(¬4) الكشاف 2/ 497، ومجمع البيان 6/ 490، وتأملات في آيات القرآن 1/ 154 - 155.
(¬5) تأملات في آيات القرآن 1/ 151.
(¬6) الكشاف 2/ 497.
(¬7) أسباب النزول للواحدي /198.