وبعد هذه الإجابة من الباري سبحانه لإبليس، يكشف اللعين عن حقده متوعدا ذلك المخلوق المكرّم وذريته، بقوله {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (¬3). وقال في سياق آخر: {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (¬4).
وذكر الراغب أن الإغواء هنا يراد به العذاب أو فساد العيش وأنه دال على الجهل (¬5). فالإغواء من لدن إبليس هو الإيقاع في الغواية، وهي العمل السيِّئ الذي يستحق عليه عامله العقاب لا الثواب. وقد ورد على سبيل التجسيم؛ إذ اللعين ((يجسم هذا الإغواء بقوله الذي حكاه القرآن عنه)) (¬6)، وهو: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}. فهذا ((مشهد حي شاخص متحرك لإطباق إبليس على البشر في محاولته الدائبة لإغوائهم فلا يعرفون الله ولا يشكرونه)) (¬7). وهو تعبير ورد بإضافة ((الصراط إلى اسم الجلالة على تقدير اللام، أي الصراط الذي هو لك أي الذي جعلته طريقا لك ... وجملة {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ}، (ثُمَّ) فيها للترتيب الرتبي، وهو التدرج في الإخبار إلى خبر أهم؛ لأن مضمون الجملة المعطوفة أوقع في غرض الكلام من مضمون الجملة المعطوف عليها، لأن الجملة الأولى أفادت الترصّد للبشر بالإغواء، والجملة المعطوفة أفادت التهجم عليهم بشتى الوسائل)) (¬8).
ولا يصرح السياق بدحض الباري سبحانه لإبليس فيما أوعده به، غير أنه سبحانه يعلن الطرد المذموم له والوعيد بجهنم لمن اتبعه وضل معه (¬9)، إذ {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} (¬10).
¬__________
(¬1) روح المعاني 8/ 93.
(¬2) سورة الحجر / 38.
(¬3) سورة الأعراف / 16 – 17.
(¬4) سورة الحجر / 39.
(¬5) المفردات في غريب القرآن / 551 (غوى).
(¬6) في ظلال القرآن 3/ 1267.
(¬7) نفسه 3/ 1267.
(¬8) التحرير والتنوير 9/ 49.
(¬9) في ظلال القرآن 3/ 1267.
(¬10) سورة الأعراف / 18.