وأما قوله تعالى: {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. ففيه أقوال منها أنه يجوز أن تكون هذه الجملة والتي عطفت عليها من تمام ما انطق الله به الجلود جيء بها زيادة على مقالتها؛ تشهيرًا بخطئهم في إنكارهم البعث والمصير إلى الله، ولزيادة التنديم والتحسير. وهذا ظاهر كون الواو في أول الجملة واو العطف فيكون التعبير بالفعل المضارع في قوله {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، لاستحضار حالتهم ويجوز أن تكون هذه الجملة وما بعدها اعتراضًا (¬3).
ومن هذه الأقوال أن هذا التعبير من قول الله سبحانه وليس من جواب الجلود لاصحابها (¬4).
والأول – فيما يبدو – هو الأرجح؛ لان القول ورد معطوفًا على ما سبقه من تعبير، وان المقام مقام تميز الفئات وانكشاف المخفي منها. فجاء التعبير مُشهِّرًا بهم؛ ليزداد ندمهم وحسرتهم على ما فرّطوا في جنب الله تعالى.
ويلحظ أيضًا في تعبير جواب الجلود أن اللفظ قد ورد ((مثل اللفظ في الإنس لما خبر
عنهم بالنطق والفعل)) (¬5). فأجروا في التعبير مجرى العقلاء؛ لأنهم لما أدُّوا الشهادة، صاروا في حكم العقلاء في التخاطب معهم.
ومثل ذلك ما ورد في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬6).فقد حمل التعبير في الأمر والاستجابة، على قولين: أحدهما أنه لا قول، وإنما هو تعبير مجازي تشخيصي عن الاستجابة للإرداة الإلهية، وهو ما ذهب إليه ابن قتيبة بقوله: ((لم يقل الله ولم يقولا، وكيف يخاطب
¬__________
(¬1) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام / 280.
(¬2) التحرير والتنوير 24/ 268.
(¬3) التحرير والتنوير 24/ 268.
(¬4) مجمع البيان 9/ 10.
(¬5) معاني القرآن للأخفش 2/ 465.
(¬6) سورة فصلت / 11.