وقد بسط الجواب، فقال عليه السلام مستطردًا ومقرًا بعبوديته لله سبحانه ومؤكدًا براءته (¬2) مما نسب إليه: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}.
هو تعبير وارد بأسلوب القصر؛ إذ قصر الفاعل على المفعول، هو قصر قلب لا قصر إفراد؛ إذ ((ليس المعنى: إني لم أزد على ما أمرتني به شيئًا، ولكن المعنى: إني لم أدع ما أمرتني به أن أقوله لهم، وقلت خلافه)) (¬3).
ويلحظ أن أسلوب حوار الباري سبحانه ورد بأسلوب استفهامي على سبيل المجاز لا الحقيقة؛ لأنه عظم شأنه لا يستفهم عباده للعلم؛ إذ هو العالم بكل شيء، ما كان وهو كائن وما سيكون.
ويلحظ في جوابات الأنبياء والرسل، أنها أكثر ما وردت بأسلوب النفي المبالغ فيه. وهو ما جعل تعبيرهم يرد مؤكّدًا بأكثر من أسلوب من أساليب التوكيد.
وأن بعضها اتسم بالإيجاز وبعضها الآخر اتسم بالبسط والإطناب. وكل من النوعين وارد بحسب ما يقتضيه مقام الحديث.
ج- حواره المعبودين من دونه سبحانه:
هناك حوار بين الباري سبحانه وتعالى و ((المعبودين: من الملائكة والإنس والأصنام، إذا أحياهم الله وأنطقهم)) (¬4).
وقد بدأ الحوار بسؤال الباري سبحانه أولئك المعبودين من دونه بقوله تعالى: {ءأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَاؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} (¬5).
وهو سؤال العالم بكل شيء يوجّه بمرأى ومسمع ممن كانوا يعبدونهم من دون الله، أريد به أن يجيب المعبودون ((بما أجابوا؛ حتى يبكّت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم)) (¬6). وهو سؤال تقريري (¬7)، ((لاستنطاق المخاطبين بالجواب ليبرّئوا
¬__________
(¬1) الجدل في القرآن / 82.
(¬2) نفسه / 82.
(¬3) دلائل الإعجاز / 320. وينظر مسائل الرازي وأجوبتها / 79.
(¬4) مجمع البيان 7/ 164.
(¬5) سورة الفرقان / 17.
(¬6) الكشاف 3/ 18.
(¬7) التحرير والتنوير 18/ 337.
