الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاوةِ وَالزَّكَاوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (¬1).
ويلحظ أنه عليه السلام في جوابه هذا نطق أولاً بعبوديته لله تعالى، لأن في الاعتراف بذلك ردًّا على من يزعم ربوبيته عليه السلام وهم النصارى (¬2)، وأنه قد نبّه في جميع ما قاله على براءة أمه عليها السلام، لدلالته على الاصطفاء.
ونحو هذا من الجواب بالفعل والحدث لا بالقول، قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} (¬3)؟ فهذا سؤال وقع ((مكرّرًا في أعقاب هذه المثلات التي أصابت قوم نوح وعاد، وثمود، غير موجّه لأولئك الذين أبيدوا وأُهلكوا. وإنما هو موجّه لأولئك المعاندين المكذبين بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فلينظروا في مخلفات هؤلاء الأقوام، وليأخذوا الجواب منها. فهناك يجدون الجواب حاضرًا: طوفان يأخذ كل شيء وريح تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، وصيحة تمزق الأجساد، إذ الناس كهشيم المحتضر)) (¬4). أي كالشجر اليابس الذي يقوم صاحب الحظيرة بجمعه لماشيته (¬5).
(10) وقد يتضمن الخبر الذي بعد السؤال معنى الجواب، كالذي في قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (¬6). فالنحاة في هذا الأسلوب ((يفترضون أن يكون لهذا السؤال جواب، يعين أحد الشيئين المطلوب تعيين أحدهما بالسؤال)) (¬7).، فالخبر المصدر بالحرف (لو) – هو حرف امتناع لامتناع – ورد مضمنًا معنى الجواب عن ذلك السؤال الوارد بهمزة التعيين و (أم). فكأنه قال: نحن زرعناه ولو نشاء لم نجعله يزدرع، بل لجعلناه حطامًا. أي إن الآية ((لم تجب صراحة بتعيين الزارع ... لكنها أجابت بما هو أبلغ، حيث أثبتت لله سبحانه القدرة على أن يجعل هذا الزرع حطامًا)) (¬8). أي: هشيمًا مكسّرًا متفتتًا لشدة يبسه بعد ما أنبته سبحانه وصار وطمعوا في حيازة غلاله وظلوا بسبب ذلك يتعجبون من سوء حاله الذي آل إليه (¬9).
¬__________
(¬1) سورة مريم /30 - 32.
(¬2) الكشاف 2/ 508، وروح المعاني 16/ 89.
(¬3) سورة القمر /16،18،21،30.
(¬4) إعجاز القرآن عبد الكريم الخطيب /391.
(¬5) روح المعاني 27/ 90.
(¬6) سورة الواقعة /63 - 65.
(¬7) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /276.
(¬8) المصدر نفسه /277.
(¬9) روح المعاني 27/ 148.