حاله لامتناعهم، قائلين له عليه السلام: {لا تَخَفْ} (¬1). ثم جاءت البشارة بالولد العليم لتحل محل ذلك الخوف الذي استشعره، فقال تعالى في بيان ذلك، ملتفتاً من الخطاب إلى الغيبة {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} (¬2).
وقد يرد الجواب محذوفًا بعد سؤال لا خبر، وكانت الدلالة على ذلك الجواب بالحدث الذي ورد في السياق، أي: أن قرينة السياق دلّت على الجواب المحذوف، وذلك جلي في قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} (¬3). فجواب سؤالها ورد محذوفًا دل عليه قوله {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ}. فكأنهم قالوا: نَعَم دلينا على مرضعة يقبل ثديها. فتبع هذا الجواب المحذوف مجيء أم موسى عليه السلام، إذ لا تأتي لرضاعته إلا بعد موافقتهم على العرض. وعلى هذا فالفاء في قوله {فَرَجَعْنَاكَ} ((فصيحة أي فقالوا: دلينا على ذلك فجاءت بأمك فرجعناك إليها)) (¬4).
و (القَرّ) في التعبير الدال على الجواب كناية عن الاطمئنان والراحة، إذ إن قولنا: ((قَرَّتْ عينه تَقَرُّ نقيض سَخَنَتْ. وأقرّ الله عينه أي: أعطاه حتى تقرّ فلا تطمح إلى مَن هو فوقه، ويقال: حتى تبرد ولا تسخن)) (¬5). وعلى هذا فإن (قَرة العين) تعني الاطمئنان المقترن بالفرح.
وقد يحذف الجواب استغناءًا بالتعبير الاستفهامي الذي يحمل الجواب، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَاوَى} (¬6). فالهمزة هنا للإنكار وقد دخلت على النفي فقررته على أبلغ وجه (¬7)، أي إن ((الجواب المنتظر من السؤال المنفي في الإثبات هو بلى، واستُغني عنه، فالمعنى: وجدك الله يتيمًا فآواك)) (¬8).
ونحوه قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (¬9)، والجواب: نعم شرحنا.
وقوله عظم شأنه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (¬10)، وجوابه:
¬__________
(¬1) سورة الذاريات /28.
(¬2) سورة الذاريات /28.
(¬3) سورة طه /40.
(¬4) روح المعاني 16/ 191.
(¬5) الجامع لأحكام القرآن 11/ 197.
(¬6) سورة الضحى /6.
(¬7) روح المعاني 30/ 161.
(¬8) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /282.
(¬9) سورة الشرح /1.
(¬10) سورة الزمر /9.