مذهب سيبويه؛ لوجود شرط جواز البناء فيه، وهو كون (أيُّ) مضافة حذف صدر صلتها، والتقدير: لنعلم الفريق الذي هو أحصى لما لبثوا أمدًا من الذين لم يحصوا. وإذا كان فعلا ماضيًا امتنع ذلك؛ لأنه حينئذ لم يُحذَف صدر صلتها، لوقوع الفعل مع فاعله صلة. فلا يجوز بناؤها لفوات تمام الشرط، وهو حذف صدر الصلة)) (¬1).
والأمد من المدّة التي لها حد مجهول عند إطلاقها وعدم تقييدها (¬2).
ونحو هذا مما وقع بصيغة المضي دالاً على الإجابة مردفًا بالتعليل، قوله عظم شأنه مصورًا دعاء موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬3). فقد دل التعبير الماضي المصدر بفاء التعقيب على الاستجابة، وهو تعبير ورد على سبيل التماثل مع تعبير الدعاء. ثم أردف بتعبير معلِّل، ورد على سبيل القصر، إذ قال: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. فهذا ((تعليل لجملة {فَغَفَرَ لَهُ}، علّل المغفرة له بأنه شديد الغفران ورحيم بعباده، مع تأكيد ذلك بصيغة القصر، إيماء إلى أن ما جاء به هو من ظلم نفسه)) (¬4).
ونحوه قوله تعالى جوابًا لدعاء داود عليه السلام حين {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} (¬5).
ومن أساليب الجوابات الدعائية في التعبير القرآني، أن يرد الجواب غير صريح، وإنما يرد مدلولا عليه بصيغة المضارع الدال على الاستقبال بعد تصديره بالقول، كقوله تعالى حكاية عن دعاء موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِئاياتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} (¬6). فقد وقع قوله المصدّر بسين الاستقبال {سَنَشُدُّ} ((إجابة لمطلوبه، وهو على ما قيل راجع لقوله: {أرْسِلْهُ مَعِي})) (¬7).
¬__________
(¬1) روح المعاني 15/ 214 – 215.
(¬2) المفردات في غريب القرآن /29 (أمد)، وروح المعاني 15/ 213.
(¬3) سورة القصص / 16.
(¬4) التحرير والتنوير 20/ 92.
(¬5) سورة ص / 35 – 36.
(¬6) سورة القصص / 33 – 35.
(¬7) روح المعاني 20/ 78.