وهناك مَن فرَّق بينهما، فنُقِل عن الفراء (ت 207 هـ) قوله: ((إن الإجابة تطلق على الجواب ولو بالرد، والاستجابة: الجواب بحصول المراد؛ لأن زيادة السين تدل عليه إذ هو لطلب الجواب، والمطلوب ما يوافق المراد لا ما يخالفه)) (¬3).
وهذا ملائم لروح العربية واختلاف المعاني فيها عادة باختلاف صيغها.
وذكر أبو هلال العسكري (ت406هـ) أن ((استجاب: طلب أن يفعل الإجابة؛ لأن أصل الاستفعال لطلب الفعل، وصلح استجاب بمعنى أجاب؛ لأن المعنى فيه يؤول إلى شيء واحد. وذلك أن استجاب طلب الإجابة بقصده إليها. وأجاب أوقع الإجابة بفعلها)) (¬4).
وذكر الراغب (¬5) ما قيل في الاستجابة من أنها ((هي الإجابة وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيُّؤ له، لكن عُبِّرَ به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها)).
وواضح أن صيغة (استفْعل) أدت إلى هذه الدلالة، إذ هي تفيد هذا المعنى في ألفاظ عدة مثل: استكان.
وذكر الطبرسي (¬6) (ت 548 هـ) في مواضع من تفسيره أن الإجابة والاستجابة بمعنى، وأنهما يردان أيضًا مختلفين، إذ معنى: ((استجاب طَلَبَ الإجابة، وأجاب فَعَلَ الإجابة)) (¬7). وأنّ ((في الاستجابة معنى الإذعان وليس ذلك في الإجابة)) (¬8).
وذكر ابن ناقيا البغدادي (ت 485 هـ) أن ((الاستجابة والإجابة واحد، إلا أن الاستجابة تبنى على طلب الموافقة)) (¬9).
¬__________
(¬1) نزهة القلوب للسجستاني /31، وأساس البلاغة للزمخشري /68 (جوب)، ومختار الصحاح /295 (جوب)، والسان العرب 1/ 283 (جوب)، وأحكام القرآن لابن العربي 2/ 834، ومدارك التنزيل للنسفي 1/ 539، وروح المعاني للآلوسي 1/ 164، 4/ 167.
(¬2) القاموس المحيط للفيروز آبادي 1/ 50 (جوب).
(¬3) روح المعاني 4/ 167. وليس ذلك موجودًا في معاني الفراء فلعله في رواية أخرى أو كتاب آخر.
(¬4) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري /217.
(¬5) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني /144 (جوب).
(¬6) مجمع البيان 2/ 278، 5/ 231.
(¬7) نفسه 2/ 538.
(¬8) نفسه 2/ 278.
(¬9) الجمان في تشبيهات القرآن /141.