وهذا من أغرب الاستدلال، وبينه وبين الحق والصواب أبعد ممَّا بين السماء والأرض، ولا يتمُّ له هذا الاستدلال ويكون مطابقاً؛ إلا بعد أن يشبِّه التبليغيِّين بثمود، فيقول لهم: تمتَّعوا بالخروج ثلاثة أيام، ثم ارتقبوا العذاب؛ كما فعل الله بقوم صالح!
فأما جعل الآية أصلاً ومصدراً وينبوعاً لبدعة التبليغيِّين؛ فهذا من القول في القرآن بغير علم، وقد جاء في ذلك من الوعيد الشديد ما تقدَّم ذكره قريباً؛ فليراجع، وليراجع أيضاً كلام شيخ الإِسلام فيمن يتأوَّل القرآن أو الحديث على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين؛ ففيه أبلغ ردٍّ على صاحب المقال الباطل.
وأما تحديد مدة قصر الصلاة للمسافر؛ فليس فيه ما يتعلَّق به صاحب المقال في تحديد خروج التبليغيِّين بثلاثة أيام، وإنما هو محض التكلُّف، والقول في الأحكام الشرعية بغير علم، والاستدلال بها على ما لا تدلُّ عليه.
- وأما قوله: "حفظنا عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم قوله: "مَن صلَّى في جماعة أربعين يوماً لا تفوته صلاة؛ كَتَب الله له براءة من النفاق وبراءة من العذاب.
فجوابه من وجوه:
أحدها: أن يُقال: إن هذا الحديث قد رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: "مَن صلى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى؛ كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق".
هذا لفظه عند الترمذي، وقد غيَّر صاحب المقال بعض الكلمات فيه!
الوجه الثاني: أن الترمذي قال بعد إيراده: "هذا حديث غير محفوظ، وهو حديث مرسل".