ونوعٌ واحدٌ في قوله: "افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُ إلى فقرائهم". إذا ثبت هذا؛ فقول الملكين للرجل في القبر: مَن ربُّك؟ معناه: مَنْ إلهك؟ لأن الربوبية التي أقرَّ بها المشركون ما يُمْتَحَنُ أحدٌ بها، وكذلك قوله: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، وقوله: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًا)، وقوله: (إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)؛ فالربوبية في هذا هي الألوهيَّة، ليست قسيمة لها كما تكون قسيمة لها عند الاقتران، فينبغي التفطُّن لهذه المسألة".
والجواب أن يُقال: أما قوله عن التبليغيِّين: "إنهم لا يذكرون نوعي التوحيد بهذه العبارة (توحيد الربوبية كذا وتوحيد الألوهية كذا) ".
فجوابه أن يُقال: هذا من أوضح الأدلَّة على جهل التبليغيِّين بالتوحيد، بحيث إنهم كانوا لا يعرفون الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهيَّة؛ فلهذا كانوا يفسِّرون معنى (لا إله إلا الله) بمعنى توحيد الربوبية، فيقولون: معناه: أن الله تعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبِّر للأمور، وبهذا التفسير كان توحيدهم مطابقاً لما كان عليه المشركون الذي بُعِثَ فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله بذلك عنهم في آيات كثيرة من القرآن:
كقوله تعالى: (ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ).
وقوله تعالى: (ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ).
وقوله تعالى: (ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ).
إلى غير ذلك من الآيات التي أخبر الله فيها عن المشركين أنهم كانوا يقرُّون بتوحيد الربوبية، ولم ينفعهم ذلك، ولم يدخلوا به في الإِسلام.