وما أشد الخطر في هذا! لأن الله تعالى يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
قال الإِمام أحمد: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك"، ثم جعل يتلو هذه الآية: (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
الوجه الثاني: أن يُقال: إن الإِعراض عن إنكار المنكر من أفعال اليهود، وقد ذمَّهم الله تعالى على ذلك ولعنهم.
فقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
وقد تشبَّه التبليغيُّون باليهود في ترك التناهي عن المنكر، وبالغوا في ذلك، حتى جعلوه أصلاً من أصول دعوتهم؛ كما تقدَّم بيان ذلك في الوجه الأول، وهذا أمر خطير جدّاً:
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن تسبَّه بقوم؛ فهو منهم".
رواه: الإِمام أحمد، وأبو داود؛ من حديث عبد الله رضي الله عنهما، وإسناده جيد.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أوَّل ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل، فيقوله له: اتَّق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحلُّ لك! ثم يلقاه من الغد؛ فلا يمنعه ذلك أن أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك؛ ضرب الله على قلوب بعضهم ببعض". ثم قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ