إلى أن قال: "وأما أن يكون للشخص عملان: أحدهما ظاهر يدعو الناس إليه، والآخر: باطن يخفيه عن الناس؛ فهذا لا يتفق مع حال المؤمن، وأعاذنا الله جميعاً من حال أهل النفاق، الذين قال الله فيهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ولا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).
إذ من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخف عن أمته شيئاً، حتى أحواله الداخلية كان نساؤه رضي الله عنهن يروينها للناس، وكان أصحابه أيضاً كذلك، فكان كل فرد منهم كما قيل:
فَسِرِّي كَإِعْلانِي وتِلْكَ خَليقَتي ... وظُلْمَةُ لَيْلي مِثْلُ ضَوْءِ نَهاري
وأعاذنا الله جميعاً من أحوال المنحرفين عن الصراط المستقيم، الذين خرجوا عن الإِسلام، زاعمين أن للإِسلام باطناً وظاهراً؛ مثل غلاة الشيعة الذين يسمُّيهم علماء الإِسلام باطنية؛ كالإِسماعيلية وغيرهم من المتصوفة، ولا يخفى أنه لا يجوز أن نتشبَّه بأهل الباطل، ولا بواحد في المئة" انتهى كلامه.
وهو شاهد عليه باتباع الهوى ومجانبة الصدق في وصفه لأعمال التبليغيِّين بأنها ظاهرة مكشوفة ومعلنة أمام أنظار جميع الناس، وأن سرَّهم مطابق لعلانيتهم.
وليس اتباعه للهوى ومجانبته للصدق مقصوراً على هذه الجملة من كلامه، بل كل ما ذُكر قبلها من دعائم الباطل؛ فهو ممَّا اتَّبع فيه الهوى وجانب قول الصدق.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرِّ، وإن البرِّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدُق ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور،