وكتب إلينا إن أهل خلاط كاتبوه، وعلى تأخره عنهم عاتبوه. وأن كل صاحب حصن قد ضبط موضعه، وانتظر مطلعه. فإنه تولاهم بعد بكتمر المعروف بالهزاز ديناري. فلم يرضوا بإيالته الخلاط؛ ولم يروه كفوا لتلك الهدى. ثم أشرف العادل على خلاط، فوجد أهلها قد كملوا الاحتياط. ورأى أن البرد يشتد، وأمد الحصر يمتد، فعاد إلى حران والرها، وأعرض عن مخالطة خلاط؛ وتأخر إلى الربيع أمرها.
فصل في المعنى أنشأته إلى الديوان العزيز في آخر رجب عن الملك الأفضل
لا شك في إحاطة العلم الأشرف بحال الذين حالوا عن الاتصاف بالإنصاف، ومردوا ومروا أخلاف الخلاف، وعادوا عن خلق التلافي إلى الإتلاف، وبددا بالانتظام في سلك الغدر شمل الائتلاف. ونكثوا بعد ايمانهم، حتى قيل كفروا بعد أيمانهم. وباءوا في بغيهم بغيهم، وأبدوا قوتهم في وهيهم. وزعموا أنهم إذا عزموا نالوا فرصة، ووجدوا إذا جدوا في العزيمة رخصة. وجاءوا إلى البلاد التي للخدم من إنعام أميرا المؤمنين - صلوات الله عليه - ليتملكوها، واستسهلوا سبل
الضلالة بعد الهدى فسلكوها. واغتروا باعتزازهم واعتزوا باغترارهم، وأصيبوا إذ لم يصيبوا ببصائرهم وأبصارهم، ودخلوا في دائرة السوء وخرجوا من ديارهم.
واجتمع صاحب الموصل وأخوه صاحب سنجار وصاحب ماردين وحسدوا وحشدوا، وما الظن بشر الحاسدين الحاشدين! ووعدهم الشيطان وأحزابه فصدقوا كذب الواعدين. وكان العم الملك العادل سيف الدين قد توجه إلى تلك البلاد لإبقاء أمورها على السداد؛ واثقا منهم بالمواثيق؛ محتفلا بالوفاق الحافل الافاويق. وهو في خواصه وذوي استخلاصه، لم ينتظم عسكره، ولم ينضم إليه معشره، ولم يصف لدفع الشوائب وردع النوائب مورده ومصدره.
فلما عرف نكرهم؛ وعلم في مكرهم مكرهم؛ توافت إليه الجموع، وحنت على قلبه الضلوع، وحنت إلى أصله الفروع.